علبة الدواء


بقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr

كلما خرج سامر من المدرسةِ متجهًا إلى البيتِ لاحظ امرأةً تجلسُ إلى جانبِ الحائطِ يبدو عليها الضعفُ والفقرُ، وقد أطرقتْ برأسِها نحوَ الأرض، ووضعتْ أمامَها منديلاً عليه قطعٌ من النقود، وكان سامر في كلِّ مرةٍ يسهمُ في وضعِ ما في جيبِه على المنديل.
جلس سامر يومًا بعدَ أنْ رجع من المدرسة وصورةُ المرأةِ لا تغادرُ مخيلتَه، وخطرتْ له فكرتان: الأولى إنَّ هذه المرأةَ تتصنعُ الفقرَ والمسكنة، والثانية إنها فقيرةٌ حقًا وبحاجةٍ إلى المساعدة. فقرّر أنْ يتصرفَ بما يرضي اللهَ ثمَّ يرضيه.
وفي اليوم الثاني بعد أنْ خرج من المدرسة، انتظر حتى ذهب الطلاب، ثم اقترب من المرأة، وبعدَ أنْ حيّاها سألها: ما شأنُكِ يا أمي؟ نظرتِ المرأةُ إليه بعينٍ كسيرةٍ ثم قالت: ماذا أقولُ لك يا بني؟ إنِّي لا أريدُ أنْ أبعثَ الحزنَ والأسى في قلبِك، فقال سامر: لا بأسَ يا أماه، أخبريني..
قالت: إنِّي امرأةٌ وحيدةٌ لا معيلَ لي إلا الله، وصحتي ليست على ما يرام، وأنا بحاجةٍ إلى الدواءِ باستمرار، وقد ساعدني بعضُ الكرامِ ثم انقطعوا عن مساعدتي، وأخرجتِ المرأةُ بضعَ أوراقٍ ووضعتها في يدِ سامر، وراح سامر يقرؤها وقد تملكه الحزن، وحين انتهى أخرج ورقةً وقلمًا ونقل اسمَ الدواءِ وعنوانَ المرأةِ وأخرج ما يحملُ في جيبِه وطلب منها أنْ تشتري الدواءَ ووعدها خيرًا.
بعدَ يومين دعا سامر أصدقاءَه وأقاربَه إلى بيتِه، وحين اجتمع الجميعُ سألهم سامر: مَنْ منكم يذهبُ إلى مطاعمِ الأطعمةِ الجاهزةِ في الشهرِ أكثرَ من مرة؟ وتنوعت الأجوبة، ولكنَّ واحدًا لم يقلْ بأنه يذهبُ مرةً واحدةً، بل كانت الأجوبةُ تؤكدُ الذهابَ مرتين وأكثر.
قال سامر: إنَّ هناك أشخاصًا جوعى لا يجدون قوتًا يسدُّ رمقَهم، ولا دواءً يشفي أسقامَهم، ولا مأوى ينامون فيه، فلو أنّنا اكتفينا بالذهابِ إلى المطعمِ مرةً واحدةً في الشهر، ووفرنا ما كنا ندفعه في زياراتِنا الزائدة، وقدَّمنا هذه الزيادةَ إلى جائعٍ أو مريضٍ أو مشردٍ، لأسعدنا بذلك الآخرين وأسهمنا في رفعِ الأسى عنهم. وافق الجميعُ على الفكرةِ وسجَّل كلُّ واحدٍ منهم المبلغَ الذي يقدِّمه شهريًا.
جاء مطلعُ الشّهر ومرَّ سامر على المرأة المريضة وقدَّم لها علبة دواء، ووعد بتزويدها ما تحتاج إليه من أدويةٍ كلَّ شهر، فدعت له، ومنذ ذلك الوقت لم يعد أحدٌ يرى تلك المرأة تجلسُ في الشارع.